30 - 06 - 2024

المشهد الفلسطيني | في ذكرى رحيله الـ 15.. أقوال جورج حبش ماتزال تضيء الطريق

المشهد الفلسطيني | في ذكرى رحيله الـ 15.. أقوال جورج حبش ماتزال تضيء الطريق

- الشرعية تعني "الوطنية"... الحوار الديمقراطي ومشاركة القرار وسيلتنا لحل الخلافات

يُصادف اليوم الخميس، 26 يناير، الذكرى السنوية الـ 15 لرحيل القائد الوطني والقومي الفلسطيني، احد مؤسسي حركة القوميين العرب، ومؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، االدكتور جورج حبش.

التقى في العام 1964، الرئيس المصري الخالد جمال عبد الناصر، وتكونت بينهما علاقات صداقة، وبحثا اطلاق الكفاح المسلح في جنوب اليمن، وفي فلسطين، وكان هدفا لجهاز الموساد الصهيوني، الذي حاول على مدى سنوات طويلة اغتياله، أو اعتقاله من خلال اختطاف طائرات وارغامها على الهبوط في مطار اللد المحتل لكنه فشل..

وفي هذا اليوم ارتكبت قوات الاستعمار الإسرائيلي مجزرة جديدة في مدينة ومخيم جنين في الضفة الغربية المحتلة استشهد فيها 9 مقاومين ومواطنين وأصيب 16 أخرين، واعلنت فلسطين الحداد لثلاثة أيام وبدأت سلسلة اجتماعات عاجلة، وتوعدت فصائل المقاومة الفلسطينية، التي أعلنت الاستنفار، بالرد فوراً بكل الوسائل المتاحة وتدفيع العدو الثمن غالياً، فيما اكتفت دول التطبيع العربية،كعادتها،  ببيانات الشجب والتنديد. واليوم دعونا نستذكر رؤية ومواقف د. جورج حبش الملقب بـ "حكيم الثورة الفلسطينية"
......

في ندوة نظمها اتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين تحت عنوان "أزمة الثورة الفلسطينية – الجذور والحلول" بتاريخ 31/10/ 1993 قال حكيم الثورة الفلسطينية الدكتور جورج حبش: كلنا متفقون حول دور الكلمة ودور البرامج المحددة والناتجة عن الرؤية والنظرية والتحليل في وضع خطط لمواجهة أي أزمة نعيشها في منظمة التحرير وفي مجمل فصائل الثورة الفلسطينية، ومن جانبي أقدم مساهمتي في الموضوع من باب إدراكي لضرورة مساهمة العقل الجماعي الفلسطيني في موضوع أزمة حركة "فتح" والثورة الفلسطينية، وهذا يتطلب قبل أي شيء عمل تراكمي متصل لتغيير الواقع وتصحيح المسار" دون تجاهل الإنجازات التي حققتها الثورة والمنظمة وأهمها: بلورة الهوية الوطنية النضالية الفلسطينية والتفاف الشعب الفلسطيني حول منظمة التحرير. 

أما وقد عشنا الحالة الفلسطينية بكل إنجازاتها وتعارضاتها وتناقضاتها ومشكلاتها التي تفاقمت بعد بروز خط سياسي يقبل الانخراط في الحلول الأمريكية بتأثيراتها المدمرة للقضية الفلسطينية، خاصة وأن موازين القوى لا تسمح لنا بتحقيق أي من أهدافنا الوطنية بالاعتماد على العمل السياسي باعتباره الوسيلة الأولى والأساسية وهو ما اعتمدته القيادة المتنفذة في منظمة التحرير وقاد لانخراطها - من خلال "نهج الفهلوة" المعروف - في المفاوضات واتفاقات أوسلو بكل التزاماتها.

وفي رأيي فإن أي تناقضات داخل الساحة الفلسطينية يجب أن تُحسم عن طريق الحوار الديمقراطي والعمل الجماهيري لا الاقتتال ومحاولات الاستيلاء والقهر، وعلى أساس برنامج سياسي تتوفر له "الضمانات التنظيمية". ومخطيء من يرتهن لديمقراطية الكلام لا ديمقراطية المشاركة والقرار، ومخطيء من يظن أن أي برنامج إصلاح ووحدة وطنية يمكن أن ينجح دون أن يتضمن جانبين سياسي وتنظيمي، ويوفر ضمانات للقيادة الجماعية ومشاركة كافة الفصائل الوطنية الفاعلة في اتخاذ القرار على قاعدة التمثيل النسبي من خلال المؤسسات المنبثقة عن منظمة التحرير مع ضرورة اصلاح مؤسساتها وهياكلها القيادية. 

وتابع: قال بطل الهند جواهر لال نهرو يوماً، إنه يعتبر المهاتما غاندي أكثر من عرف يمينية ورجعية لكنه الأصلح لقيادة حركة التحرر الهندي... وهكذا علينا الأ نقع في خطأ عدم الإقرار بالإنجازات التاريخية للقيادة المتنفذة في منطمة التحرير وهي إنجازات كبيرة، وهذا لايمنع انتقادها أيضاً.

وفي كل الأحوال علينا الا نقع فريسة للمعارك الإعلامية، كما أننا لن نسمح بلعب دور الوزير الأحمرفي قيادة غير وطنية، أو نكون غطاءً لشرعية غير وطنية وسنقوم بكل شيء - من خلال الشرعية - لاسقاط نهج من يحاولون أخذ الشرعية الى حيثما يريدون، أي عزل هذا النهج عن الثورة لا إحداث فرز وانقسام في الساحة الفلسطينية والنقابات الشعبية وفي منظمة التحرير، فمثل هذا الفرز يبدأ عند الضرورة في العمل السياسي لا العمل النقابي.

أساليب النضال لا تُحدد اعتباطاً

ويرى الدكتور جورج حبش أن أشكال وأساليب النضال لا تحدّد اعتباطاً، وإنما هي استجابة محددة لصراع محدد، يتحكم بها وبصياغتها على المستوى الاستراتيجي أو التكتيكي، الأهداف المنوي تحقيقها وطبيعة العدو الذي نواجهه، وعلى هذا الأساس، وبناء على جدلية الداخل والخارج في العمل الفلسطيني فُرضت علنية العمل الفدائي في الخارج، وسريته في الداخل إلى أن تبلورت الظروف في عام 1987 مع انطلاقة الانتفاضة المجيدة، وكذلك العمل الخارجي، والقيام بجملة من العمليات الفدائية التي أشرف عليها الشهيد وديع حداد تحت شعار "وراء العدو في كل مكان"، والتي لعبت دوراً مهماً في التعريف بالقضية الفلسطينية وفرضتها على "الأجندة السياسية الدولية" حيث أصبحت في مركز الصدارة عالمياً، وبما أن نضال شعبنا الفلسطيني هدفه تحقيق الحرية والاستقلال الوطني ودحر الاحتلال عن أرضنا، فقد ظلّت استراتيجية المقاومة والكفاح المسلح، إضافة إلى كل أشكال النضال الأخرى السياسية والإعلامية والثقافية والاجتماعية هي الأساس في تفكيرنا، لكن الأساس الجامع في استراتيجية المقاومة هو الكفاح المسلح، من أجل التحرير وتقرير المصير والاستقلال الوطني وحق العودة بالنسبة لفلسطينيّي الشتات، وهو مازالت تنكره إسرائيل.

تقييمنا لأداء السلطة ينطلق من تمسكها بالثوابت 

وفي حوار أجرته معه صحيفة "عرب 48" ونشرته ً بتاريخ 31/10/2010، أي بعد وفاته ، ورداً على سؤال حول تقييمه لأداء السلطة الوطنية الفلسطينية ومستقبل القضية الفلسطينية في ظل المشاريع المطروحة من الجانب الإسرائيلي؟ قال الدكتور جورج حبش: إن استمرار المقاومة هو الخيار الوحيد الممكن، ولا يمكننا المراهنة على الحلول المطروحة الآن، ونضالنا يرتبط مرحلياً بالبرنامج المتفق عليه في إطار منظمة التحرير الفلسطينية على أساس إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وحق العودة، ومن ثم دحر المشروع الصهيوني المرتبط بالإمبريالية الأميركية ومشاريعها في المنطقة، وإقامة دولة فلسطين الديموقراطية العلمانية التي تحفظ حق المواطنة لسكانها دون تمييز على أساس العرق أو الدين أو الجنس. 

وتقويمنا لأداء كل الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك السلطة الفلسطينية، ينطلق من مدى تمسكها بالثوابت الوطنية المتفق عليها، وإذا كانت الظروف الموضوعية السائدة في هذه الفترة بما في ذلك اختلال ميزان القوى على الصعيدين العربي والعالمي يميل لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية والصهيونية، فهذا لا يعني أن نسلّم بالحلول المطروحة على حساب حقوقنا التاريخية بالعودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وعلى ضوء هذه الظروف تصبح المهمة الأساسية حالياً هي الصمود وعدم السير مع المخطط الأميركي ـ الصهيوني المرسوم لتصفية القضية الفلسطينية.

وأوضح د. جورج حبش: علينا مراكمة شروط قيام دولة ومجتمع فلسطيني حديثين، وبلورة مشروع مجتمعي يؤسس لنظام سياسي فلسطيني ديموقراطي على أسس وقوانين عصرية ناظمة لحياة المجتمع، على أساس الثوابت الوطنية الفلسطينية التي يجب أن تكون القاسم المشترك بين جميع التنظيمات والمؤسسات الرسمية الفلسطينية.

الانسحاب من غزة

وفي يوم اتمام الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة من جانب واحد، دعا الحكيم إلى تشكيل لجنة متابعة للمقاومة تولي اهتمامها بما بعد الانسحاب. وقال: لقد جاء هذا الانسحاب نتيجة ضربات المقاومة الفلسطينية وعملياتها ضد جيش الاحتلال ومستوطنيه، لكنه يتعين علينا النظر لهذه الخطوة الإسرائيلية بحذر وقلق لما هو مرسوم إسرائيلياً في تحويل قطاع غزة إلى سجن كبير من خلال السيطرة على المعابر، وعلينا أن نلحظ جوهر العقلية الصهيونية حيث يتم التركيز على الاستيطان في الضفة وعزل المدن عن بعضها، وتقطيعها عبر جدار الفصل العنصري، والمخاطر التي تتهدد حق عودة اللاجئين إلى أراضيهم وبيوتهم التي طردوا منها.

وأضاف : مع احتفاليتنا الكبيرة بالانسحاب الإسرائيلي نود التأكيد على: تعميق وتعزيز الوحدة الوطنية بين كافة القوى والفصائل والاحتكام إلى الحوار الديموقراطي في حل الخلافات وتحريم الاقتتال الداخلي وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وتشكيل لجنة متابعة للمقاومة تولي اهتمامها بما بعد الانسحاب، والتأكيد على وجود ضرورات وطنية ملحة غير قابلة للتأجيل هي إجراء انتخابات المجلس الوطني داخل الوطن وخارجه، وتطبيق مبدأ التمثيل النسبي فيها، والتمسك بإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، وحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى أراضيهم.

ولد الدكتور حبش الملقب بـ "الحكيم" في 12 آب/ أغسطس 1926 في مدينة اللد، لعائلة مسيحية ميسورة الحال وهُجر منها خلال النكبة الفلسطينية ومذابح حرب التهجير الصهيونية عام 1948، وأكمل دراسته في اللد ثم القدس وعمل في يافا قبل أن يلتحق بكلية الطب في الجامعة الأمريكية، سنة 1944 وتخرج منها طبيباً عام 1951، وخلال إقامته في بيروت، تبلورت أفكاره وتعزز انتماؤه القومي، فهجر الطب الى عالم السياسة والمقاومة، وأسس مع مجموعة من رفاقه ، وأبرزهم وديع حداد، وهاني الهندي، "حركة القوميين العرب" قبل أن يؤسس "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" ويعلن عن انطلاقتها في11/12/1967، كحزب قومي لعمل جبهوي يعتنق الفكر الماركسي اللينيني، واعتكف وترك موقعه العام 1999 ليخلفه مصطفى الزبري المعروف بــ  (أبو علي مصطفى)، الذي اغتالته إسرائيل في 27/8/2001 في رام الله.عاش "الحكيم" بعد استقالته في العاصمة الأردنية عمان متفرغا للإشراف على مركز للدراسات والأبحاث الى أن توفي يوم 26 كانون الثاني/ يناير 2008، في عمّان ودفن فيها.

أطلق عليه لقب "الحكيم" لصواب نظرته واستقرآته الموضوعية ولرصانة تفكيره وإيمانه بتوحيد كل الطاقات من أجل بلورة عمل خلاق، ويعتبر مرجعية وطنية وقومية وأممية.

وفي ذكرى رحيله ( 26/1/2008) فإن مواقف وأفكار ورؤى الدكتور جورج حبش مازالت حاضرة فينا، التحية لروح حكيم الثورة الفلسطينية ورفاق مسيرته في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ورفاق دربه في حركة القوميين العرب، وكل فصائل العمل الوطني الفلسطيني..
-------------------------------
بقلم: عمر خلوصي بسيسو
*الكاتب صحفي ومدير تحرير ومدير سابق لدائرة الإعلام الخارجي


مقالات اخرى للكاتب

طفح الكيل وعجز الصبر





اعلان